مسرحية "كرنفال روماني" اخراج موني بوعلام الجزائر
قاوم كي لا يسرقوا ابتسامتك ثم احلامك
رضا الزعيبي
نولد من رحم مظلم، نعيش حياتنا بين زحام الحياة وخوفها، نصنع أحلام وانتظارات، نعاند الواقع ونسعى لتحقيقها، ننكسر ثم ننهض، كلما كانت السقطة قوية تولد عزيمة اشدّ قوة، فمن الضعف تصنع القوة ومن الألم المطلق يولد الامل كما فعلت "مارجيت" الشخصية الرئيسية لمسرحية "كرنفال روماني" اخراج موني بوعلام الذي يمثل جمهورية الجزائر في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية.
"كرنفال روماني" سينوغرافيا شاهيناز نغواش وموسيقى عبد القادر صوفي وكوريغرافيا ندى رويني وتصميم اضاءة عبد الحق بولمدايس ومساعد مخرج شاكر بولمدايس ومعالجة درامية موني بوعلام، تمثيل رجاء هواري وشاكر بولمدايس وزكي وافق وعبد الرؤوف بوفناز ورشا سعد الله وفريد زواوي وإسلام حدرباش وريان حمايدي.
ظلام كامل يسيطر على المكان، يشتعل الضوء تدريجيا فنجد جسد انثى يصارع اصوات لا مصدر لها، يحاول الجسد الانتفاضة، تربكه الاصوات فيعود الى السكينة، سرير وغطاء ابيض ودرج سيكونان ديكور العرض ويتغير حسب المشاهد.
فضاء الحدث المسرحي مسرح، صاحبه انتهازي يمتلك جميع السلط فهو الكاتب والسينوغراف والممثل وصاحب القرار ايّ الاعمال سينجز الفريق؟ وهوايته ممارسة السيميائية العبثية مع الممثلات في مكتبه، المكان ينقسم الى قسمين اول غرفة الممثلة "مارجيت" الضيقة والداكنة والنصف الاخر مساحة للتدريبات وقاعة العرض المسرحي وبينهما صدى لخيبات ونجاحات فنية وإنسانية.
"كرنفال روماني" انتصارا لقيمة العنوان ينطلق العمل المسرحي، فالشخصيات في المشهد الأول تلبس الاسمال والاقنعة وتقفز وتتصارع تماما كما كان يفعل الرومان بالمهمشين، يضعونهم في حلبة لتناحروا والفائز تكون جائزته لقمة طعام او قطعة قماش وكلما كان الدم اكثر انتعشت أرواح النبلاء مشاهدي الكرنفال من شرفات قصورهم، في العصر الحالي لا تزال تقام الكرنفالات ولازال المهمشين يتناحرون لأجل الفتات والنبلاء يتمتعون بمتعة نفسية ومالية، في المسرحية الممثلين والتقنيين هم المهمشين، هم التحت الذين تسرق احلامهم في النجومية والفرصة بينما صاحب المسرح يشبه اقطاعي العصر الروماني يمتص الدماء ويصعد سلّم الثراء.
ينجز المسرح بدم القلب، يسهر الممثلين الليالي للتدريب قبل تقديم العرض، يحاول التقني إيجاد افضل الحلول لإنجاز عرض بمقومات تقنية ناجحة، تدريبات، تعب، الم واحلام تتشكّل لتصبح كما كرة الثلج وفجأة تشتعل مياه السطحية، فيذوب الجليد وتبرز الحقيقة، انتهازية مطلقة يمارسها صاحب المسرح خدمة لمصلحته على حساب المسرح المقاوم والفعل الإبداعي الحقيقي.
"مارجيت" الضمير الحيّ، صوت لا يعرف النهاية، ممثلة عاشت النجومية لأعوام طويلة ثم اختارت العزلة ولعشرة أعوام قاومت الرغبة في سحر الخشبة، اوصدت أبوابها وحاولت التغلغل في ذاتها في حكاياتها وماضيها وصناعة مصير تريده، ارادت الفناء فتركت الجسد جائعا، منهكا ولكن احد التقنيين انقذها وأعاد اليها الامل في الحياة بدور مسرحي جديد ستموت فيه الشخصية، ولان الموت منيتها قبلت الدور هربا من واقع اشد ظلمة من الموت، "مارجيت" انثى حالمة، ممثلة متمكنة من أدوارها وشخصياتها ولكن الرأسمالية ابعدتها عن الخشبة فقط لأنها جدّ مجتهدة وأصحاب النفوذ يحبون السطحي ومن يحركونه مثل قطعة الماريونات.
"كرنفال روماني" مسرحية تنقد الصراع الطبقي بين الهامشين وأصحاب النفوذ، تكشف قبح الراسمالية في تعاملها مع الفن، تبرز للمتفرج وجع المسرحيين الحالمين بتقديم فن يناصر قضايا الثورات وينصت فقط لحكايات الشعوب، هؤلاء سيعيشون على الهامش، ستسرق أفكارهم واحلامهم وحتى رغبتهم في الموت، فأصحاب النفوذ يسيطرون على الفعل والحركة.
"كرنفال روماني" يتحرك الديكور كلما تحدثت الشخصيات او رغبت في الانتفاض، مسرحيات ومشاهد عديدة داخل المسرحية الواحدة، شخصيات وادوار يؤديها الممثلين، فالشخصيات يجسدون أدوار ممثلين وكل مرة يجربون نصا من الادب العالمي ويحاولون تطويعه بأسلوب فريد فأبدعوا في التقريب بين العبثية والتراجيديا لتقديم عمل مزج الفصحى والمحلية الجزائرية، افتكوا الابتسامة من جمهور أيام قرطاج المسرحية وكانت المسرحية مسالحة حقيقية للنقد والسخرية في ذات الوقت.
صنع الممثلين على الخشبة عوالم للرحلة الى نصوص عالمية وفضاءات درامية بعضها واقعي واخر خيالي، قدموا للجمهور عرضا سخر من الهشاشة البشرية امام سطوة المادة، تحدثوا بوجع عن صراع قديم بين الحلم والخوف، المسرحية رسالة للتحرر من كل القيود المجتمعية والفكرية والسلطوية، تحرر من الوجع، محاولة لتقرير المصير على الخشبة أيا كان القرار صعبا تكون الحرية اجمل، فقاوم وانثر عنك ريش الخوف وادخل محراب الحياة لأنك خلقت من نور.